حُمى الإضطراب | الفصل الثاني

image.gif

 

النايّ ذو الألحان المُزيفة .

 

فصل طويل.. إستمتعوا بالقراءة أعزائي 🕊

كان جُمود الموقف مستحوذًا إستحواذًا غليظًا على روحه الهشّة، بينما يتوَّشح الإضطراب جزءًا كبيرًا من إدراكه الحسِّي بغير رحمة، أضحى جونق إن بعد ذلك مُستميتًا للصراخ و الشتم، للإلقاء بهذه الزُجاجة المقرفة بعيدًا، نثرها الى قطعٍ صغيرة و بعثرتها نحو الفراغ البعيد ..بل تحديدًا نحو وجه كيونقسو الذي أصبح مُشمئزًا و ثقيلًا على النفس بغتةً، حتى مع جميع تلك الفوضى الداخلية المُشتعلة، جونق إن لم يستطع أن ينبس بكلمة واحدة مما يختلج داخِله، حتى مع رعشة يديه النحيلة المستمرة بجعل ذلك المحلول الكثيف يتراقص، حاملًا بجوفه العديد من القطع الصغيرة التي يُستطاع تمييزها من النظرة الأولى، جونق إن لم يستطع أن يفِّر هاربًا من غُمرة الهلع المفترسِة هذه..

( إهدئ جونق إن ) . .

( أمسك بزمام الأمور جيدًا ) ..

صرخ بذلك روحيًا، لعّله يُشجع ذاته الهامدة للإقدام على تلك الخطوة اللعينة، لإعادة ماتحمله كفيِّه من تلوّث الى مخبأها الصغير كما كانت، لكن بعيدًا عن ذلك، رُغم أن كل هذه الأفكار تتلاطم بعُنف داخله، إلا انه لطالما تميّز و تفرّد بشخصيته المُستقرة و الحذرة، مهما كان يحيطها من أمانٍ و سكينة، هي تظل حساسةً إتجاه اية خطوةٍ تتقدم لتختِرق مساحتها، عدى هذهِ المرة.. جونق إن كان فطينًا اشدّ الفطنة سابقًا.

كُل ذلك ببساطة، كان واضحًا، سهل الإستشِّفاف لهذا الكيان القابع خلفًا، و الذي أخذ يتفحَص إضطراب الأسمر الممُتد الى أطراف جسده، جاعلًا من تسَّمره و جموده يتزحزح جانبًا، ينقُل تلك الرعشة البسيطة لتتمّزج بعذوبة داخل فزعه البريء، فتغدي لاحقًا ليسَت إلا إرتعادةً جامحة تجوب كامل جسده، فإذ بالحماسة المُفرطة تستبدُ بذلك الكيان بعد هذا المشهد الراقِي الذي أعتلى هضبة توقعاته، جاعلًا منه يستبق الأحداث التي خطط لها مُسبقًا و يستمر بفتح الباب ببطء، موّضحًا إنعدام إمارات الرطوبة من وجهه و أوصاله، لم يُكن يبدو كشخصٍ قد إستأذن ليغمر جسده بإستحمامٍ سريع كما قال منذ لحظات قصيرة، مع ذلك، انه يكتفي الان بتفرّس الشخص أمامه بشهوة، الى ان أغلق الباب بهدوء كما فُتح، بلا إحداث ايّ زعزعةٍ لذرات الأكسجين من حولهما، محافظًا على سكينة الأجواء بكل مهارةٍ و خبث مُختلج.

هيونق، يؤسفني القول أنك فشِلت بإختبار ’فارس الأحلام’ و أسرع مما توقعَت.. أنت خسرت سريعًا أمام غرائِزك

كان ما يتسَّرب الى مسامع جونق إن الواقف مُجرد همسٍ طفيف دافئ يكاد لا يسمع لوهلة بإستثناء تلك الأنفاس التي لفحّت منطقةً حساسةً منه، ما بين عنقه و أذنه. فما باله يُسقط تلك الزجاجة الداكنة بلا شعور على الأرض ؟ لما أصبح هائجًا بهذا النمط الغريب ؟ و على وتيرةٍ مُرتعدة لا تكّف عن العبث بأوتاره الصوتيِّة ؟ جاعلةً منه كالطفل الرضيع، غير قادرٍ على الإعتراض، غير قادر على زحزحة أذرع كيونقسو التي أحاطت بخصره من الخلف بإحكامٍ شديد دون ترك أي ثغرة، دون ان يتوقف عن غمره بتلك الأنفاس الدافئة، كمن يحاول إشباعه جزءًا من روحه الشاذّة عن المنطق، لعله يغدي مثله و يتفهم شعوره الفريد..

فما بال جونق إن يذرف دموع الخوف الان ؟

هل أنت خائفٌ هيونق ؟ هل تفكر بالهرَّب ؟ .. هيونق، لك ان تعلم بانني لم أُصنفك مميزًا و نادرًا البتة، لقد توقعت تحركاتك ببساطة، لقد كنت واضحًا أكثر مما ينبغي و سهل الإنقيّاد، و رغم انك فشِلت بإختباري الصغير الأول.. إلا انني نوعًا ما…

لبث صامتًا برهةً قصيرة، كأنما ألجمته عن الكلام ذكرى حزينة شاقة لاحت بمُخيلته، لكنه ظّل متمسكًا به كمَن تتعلق حياته على التقيّد بذلك المنكب العريض، ظّل يغرس رأسه أعمق و أعمق داخل نسيج مايرتديه الأكبر، مُستشعرًا بالدفئ الذي كان أقرب و أشّد حرارةً الى الحُمى نفسها، و برائحته الفريدة التي بدَت أكثر من مّجرد ’رائحة صابونيِّة’ بالنسبة الى كيونقسو، هو كان بُغمرة النعيم حينها، لكنه لم يُفلت او يستغني عن أهمية الوقت الذي أمسى به جونق إن مُتسمرًا مكانه، مُنأسرًا بتأمل دموعه اللؤلؤية بغير تصديق، تمتم كيونقسو بصوتٍ مليء بالرقة وقتها :

أظن انني احبُ السيئين هيونق، السيئين أمثالك.. لذلك سامنحك فرصةً أخرى إتفقنا ؟ فرصة مُميزة لم يحضى بها احد من تجاربي مِن قبل، هل أنت مُستعد هيونق ؟ ساجعلك تغوص داخل عالمٍ جديد لم تره من قبل

إلتوت شفتي جونق إن الجّافة على إبتسامةٍ مصطنعة مُشمئزة، بدى و كانه يشهد ذلك التاريخ الذميم وهو يُعيد كرته، يُعيد إرسال موجاتٍ من الصدمة و السخط الممزوج بالهَلع إليه، يستمتع بتقلبيه بين أنامل قدرٍ مُتزلزل يخفي بين طيّاته العديد من الأيام السوداوية له، كان مؤمنًا بانه لن ينسَّجم يومًا مع قدرِه، لهذا هو قابل كيونقسو ذو السادسة عشر ربيعًا في الخامس من أكتوبر.

يالكُم من مغفلين، تلك السافلة لذيذةٌ للغاية !! لذيذة !

كان صدى صوت سيهون الجهُور مدوٍ في الأرجاء لدرجةٍ إستطاعت بها نبرته الحانقِة التسلل الى تلك الغرفة المليئة بضربٍ من المشاعر و إنتشال كيونقسو بسهولة من نعيمه الدنيّوي كما يُسميه، و ما تلى ذلك لم يُكن سوى صوت وقوع شيءٍ ثقيل على الأرضية مما أدى الى كسره بوتيرةٍ صاخبة، انعَشت بدورها جونق إن و ايقظته من وهنٍ تمَّلكه و إستأسَره لمدةٍ طويلة أسفل تهديد نبرات الأصغر المُتقلبة، كان قد سَمح لنفسه اخيرًا بان ينتشل أذرع كيونقسو و يرميها بعيدًا عنه، لم يُكن مهتمًا بمدى القسوة التي إتسّمت بها يداه في تلك اللحظة، إن كان قد سببَّ المًا غير مستقصدًا للأصغر ام لا، هو فقط هرَع خارج غرفة الكوابيس تلك بعد ان حاصرته بانيابٍ داميّة، غير ابهٍ للشظايا الزُجاجية التي تشبثّت بباطن قدمه، كان قد هرَع جونق إن خارجًا، مُستخدمًا سيهون كذريعةٍ جيدة للخروج..

بحِّق الإله مالذي تفعله هنا سيهون ؟ الستَ خارجًا برفقة صديقتك الشقراء ؟ ثم اللعنة ماذا ! لما تتجّول ثملًا في المنزل ؟ أُنظر مالذي فعلته بحق تلِك الآنيةِ الجميلة !! أيُها القذر… يالكَ من قذرٍ لعين ! كان عليك ان تاتي مُبكرًا !!!!

كان قلبه يشتّد إنقباضًا كلما إستمر ثغره بإختزال المزيد من كلماته المتناقضة بنبرةٍ مُنفعلة قاتِمة، أرادَ إخراج فيضانها مُسبقًا لكنه فشل و لم يسِتطع، و هاهو ذا الان يُلقي بسخطه و تناقضه على صديقه الثمل و الذي لم يلبث ساكنًا ببُقعته، بل حتى السِّكير لم يكن ليعقد ذراعيه و يستمع الى تمتمة الجُنون هذه التي تخرج من ثغر جونق إن بلا اي تعقيبٍ من المنطقية، كان قد سارع بالترنّح بالأنحاء و كأنه لم يكتفي بكسر تلك الآنية، يُعطي ثمالته المزيد من الجموح بتحركاته، غير ابهٍ بجونق إن كذلِك.. كما لو انه جزءٌ من الواح الخشب المعلقة تلِك.

و قبل ان يُسارع جونق إن بالتفريق بين ورديتيه كان سيهون قد سقط مغشيًا عليه بالقرب من التلفاز وبشكلٍ غامض، وجهه أمسى معبئًا بالإحمرار القاتم كمَن إبتلع ١٠ زجاجاتٍ من الخمر دفعةً واحِدة، لإنه شيءٌ من الجُنون، و ذلك الإحمرار الرهيب كان مصنفٌ أسَفل ذلك ايضًا، إذ ان حتى علامات الحُب لم تخفى عن أعين جونق إن المتفحصِة، حيث نُشر الكثير منها على عظام ترقوته الهزيلة، و أجزاءٌ عديدة من عنقه الحليبي قد أُنتهكت من قِبل أحمر شفاهٍ زاهي، بينما رائحة العطر النسائي لم تلبث حتى غزّت حواس الأسمر بالكامل، تفصح عن هويةٍ فرنسية أصيلة لتلك الفتاة الشقراء الذي شاهدها مُسبقًا

لم يُكن له ان يوجِّس بالغيرة إثر ماتشهده مقلتيه من اثارٍ للحب و الشهوة قد رسمت بمهارةٍ و وضوح على عنق صديقه، بل كان ليشعُر بالإمتنان للحظة الى وجود سيهون، فلولاه كان سيبقى عالقًا بتلك الغرفة الملعونة برفقة الأصغر، هو لايُنكر بأن هنالك إماراتٌ من الرُعب لا تزال تستحّوذ عليه من الموقف السابق، إلا انه يشعر ببعض الأمان حاليًا حتى مع وجود هذا الجسد الغائب عن الوعِّي، و الذي توجب عليه إسعافه و الإعتناء به كما تعتني الجدة بأحفادها الأشقياء حتى يستطيع ان يتفادى كيونقسو بسُهولة، بلا إثارة ريبته.

كان قد حمل جسد سيهون النحيل بيُسرٍ مُطلق لم يتوقعه، إذ انه فاجئه بخِفة وزنه و لم ياخذ زمنًا طويلًا حتى أراح جسد سيهون على الأريكة، و رغم ذلك لم يلبث جونق إن ساكنًا الى هذا الحد بل سارع بصنع خطواته نحو المطبخ بثباتٍ عظيم غير ابهٍ لكيونقسو الراكع على الارضية الباردة بصمت، المُبادر بإلتماس و إلتقاط تلك القطع الزرقاء المزكرشة بانامله العارية بلا حذرٍ او خوف، مع ملامحٍ هادئة لاتنطق بشيءٍ مُعيّن، إلا أن جونق إن استشَّف القليل من الإستياء و خيبة الأمل بين قسمات وجهه الشاحب، لكنه مضى بالقرب منه دون ان ينبس بكلمةٍ صغيرة واحِدة.

( أظن بان هذا المكان غير آمنٍ بعد الان ) ..

دارَ ذلك بخُلده بجنون إرتيابٍ واضح لايُلام عليه فسرعانما أيَّد تلك الفكرة، و راح يحمل كاسًا من الماء البارد الى الغائب عن الوعَي فإذ به يجد مكان كيونقسو السابق خاليًا من أثره، معبئًا بقطراتٍ صغيرة من دماءٍ إختلطت و نقشت نقشًا جديدًا على اجزاء الآنية الزرقاء التي جُمعت بعناية و وضعت جانبًا، كان ليطلق ظنونًا حسنة إتجاه إهتمام كيونقسو المطلق نحو الأثاث كما يفعل هو إلا ان الإنفعال سيّطر عليه و غلف دماغه بسوداويةٍ مُهيمنة حينما تركزّت مُقلتيه على الأصغر الواقف بالقرب من سيهون، حاجبًا نصِف الرؤية عنه، بشكلٍ مُخيف كما في أفلام الرُعب، هو وقف هناك مع اصابعٍ تتدبّر شيء ما بوجه سيهون.

اللعنة كيونقسو مالذي تفعلهُ عندك !! توقف حالًا و إستدّر!

هيونق انـ..

و قبل أن يُمنح كيونقسو فرصةً للتبرير عن فعلته البريئه تلك، صفعهُ الواقع بكفٍ محمومةٍ معدومةٍ من الرحمة، إذ ان جونق إن لم يلبث هادئًا حتى دفعه بعنفٍ مرئي من صِدره جاعلًا من جسده الضئيل يرتدُ للخلف حتى كادَ ان يتعثر و يقع، رُغم انه كان يمسح وجه شقيقه بمناديلٍ مُبللة أحضرها بنفسه و التي لايزال يتشبَّث بها بكفه، إلا ان ذلك ماحصَل عليه فحسب، سخط و هيجان الأكبر الغير منطقي و الذي أخذ يتفرّس بجسد صديقه العائم في الأحلام بقلقٍ و إنشداهٍ واضح أمام انظار كيونقسو الهادئة التي إعتراها شعورٌ مقيت لم يستطع تفسيره، سوى انه كان خارق الألم ليسار صدره، شديد البأس، زاخرًا بالخيبة.

كان ماتلى ذلك هو صمتٌ جاثم و ثقيل على أركان غرفة المعيشة ، حتى تحرك جونق إن أخيرًا من بقعته حاملًا سيهون على ظهره برويِّة متجاهلًا مساعدة الأصغر له بفعل ذلك، فما إن تلامست اناملهما الباردة لمسةً طفيفه حتى إرتد الاسمر للخلف بردة فعلٍ ساخطة فيها من المبالغة لشيءٌ عظيم، كان نافرًا حّق النفور من كيونقسو الذي عاقر ملامحًا جامّدة فبدى ذو طابعٍ مخيف أكثر من السابق بينما تزداد حاجبيه تعقيدًا مع مرور الوقت

واصل جونق إن مسيرته نحو الباب بصمت، فإذ به يجد الاصغر مغمورًا بالتساؤلات واقفًا أمامه كمَن يعترض سبيله، فما كان يتوقعه كيونقسو هو أن يحمل الأسمر شقيقه و يلقي بجسده الهامد على فراشِه إلا انه كان متجهًا للخروج بغتةً. و بلا مُقدمات رشقه جونق إن حينها بنظرةٍ تبلغ من امتلائها تحذيرًا عنيفًا متزلزلًا إذ أن السخط قد نهش شيئًا من ملامحه العبوس مسبقًا، كان على إستعدادٍ تام للإنهيال عليه بشتائمٍ جهنمية راودته في وقتٍ ما من هذه الليلة، إلا انه حينما رأى تسّمر كيونقسو بمكانه، قرَر تجنب ذلك فجأة، لم يُنسج ذلك القرار لأن طيات قلبه اضحت ليّنة، حتمًا لا (!)

( إعتني بصغيرنا كيونقسو جيدًا، سيهون-اه.. )

ماذا ؟

( هنالك صندوقٌ عتيق في زاوية الركن الذهبي.. قفص العصفور… أرجوك.. أخرجه ! )

اه، لما أرى هذيان والدي اثناء إحتضاره ؟

هل كانت لكلماته معنى ما ؟ .. سرٌ خلف أحرفها ؟

.

أُمي، أبي.. ساعِداني أرجوكما، انا أغرقُ في العتمة !

شعر بحرارةٍ لاذعه تُغرق عينيه، تُثقل جفنيه و تجثم عليهما بقسوة، كان مستميتًا للإستيقاظ و لتجريد أنفاسه من هذا الإختناق القاتم الذي راوده، لقد عِلم على حين غِّرة انه محاصرٌ بمستنقع سوداوي لم يُكن تنسجه سوى إحدى الكوابيس المعتادة التي لا تلبث حتى تزوره كل ليلة، تُحيل قلبه مرتجفًا إثر العاطفة التي تحتويه من خلال سماعه لنبرة صوت والدته الحُنون بإستثناء غرقها هي الأخرى بين دماء زوجها، لطالما وَّد الضحك و البكاء في آنٍ واحد..

فتح مقلتيه فجأة، و قد هبَّ من السرير بشهقة فزعٍ مؤلمة للأسماع، أمسى يطلق أنفاسًا لاهثة قد إحتبسها نومه الثقيل، مُتجاهلًا قطرات العرق التي بللت خصلات شعره الأسود الناعم، جاعلةً منه يتمرد على أهدابه الرفيعة و يُخفي جزءًا من رؤيتها العلويّة، إلا انه، حتى مع تشوّش الرؤية الذي يحضى به، كان يشعر بان بُقعته غير مألوفة، هذا المكان الذي يلبث فيه الان حتمًا ليسَ منزل عائلته !

ألتفت حوله بحيرةٍ تامة توشحّت ملامحه الناعسِة و المُثقلة، و قد إستشَّف حلول الصباح في هذهِ الغرفة المُعتمة التي لا تغزوها سوى أشعة الشمس الذهبية قد إخترقت البياض النقي لتلك الستائر المُسدلة بفوضوية، كان قد أحس بغتةً بالإطمئنان يُغلف جزءًا من شعوره إثر تلك الرائحة التي داعبت أنفه برِّقة جاعلةً منه يطلق تخميناتٍ عديدة حول نكهة هذه الحلوى اللذيذة التي تفوح بسخاء !

لقد إستيقظت اخيرًا ايها الكسول أوه، هل تعلم كم الساعة الان ؟، عادات شُربك فضيعة حقًا

نطق جونق إن بتململٍ واضح ملأ نبرته، كان قد إرتدي نظارةً ذات إيطارٍ ذهبي و عدساتٍ دائرية الشكل، بينما يبرُم بيديه النحيلة عقد الزهور ذاك بكل إهتمامٍ و دقة بعكس تحركات يده التي بدِت سريعة، تُظهر مدى إحترافيته و مدى إعتيادية الأمر بالنسبةِ له، لقد كان مهووسًا بالزهور منذ نعومة أظافره، بأسطونات الموسيقى القديمة، بينما يُصنف هوسّه بالحلوى ذريعةً لترك التدخين الذي طبع اثرًا خالدًا على نبرة سُعاله المتكرر و التي تمسي حادةً و عالية مزعجةً، فكانت غرفته المعتمة تكتنز كل تلك الأشياء بحُب واضح لسيهون الذي يزور شخوصها للمرة الأولى.

م-ماللعنة ؟ إلهي قم بإشعال بعض الإضاءة هنا ! لقد أكتفيت من تلك العتمة التي حصلت عليها في حُلمي.. انا على وشك التقيؤ بحق السماء !

زفر الأسمر بضيق، لطالما كان سعيدًا مسرورًا بإحناء ظهره المتيّبس و العمل بجد على طوق الزهور الذي يكون فريدًا متميزًا بكل مرة دون مُقاطعة أحدهم، كانت تلك هي ميزة عيشه وحيدًا بشقةٍ خالية، لكنه لم يلبث حتى قامَ بتلبية طلب سيهون المتذمر الذي أفسد رونق أجواء وقت الظهيرة الخاص به، فحالما أشعل الاضواء التي أعمت بصيرته لبُرهة حتى رأى فك سيهون الحاد وهو يسقط، ليتسائل داخله :

( مالخطب معه بحق الجحيم ؟ )

هل هذه غرفتك جونق إن ؟، بحق الإله اين هو كيونقسو !! أخبرني اين هو سريعًا !!

لم يكف سيهون عن الصرير بأسنانه غيضًا بسبب ماقابَله من صمتٍ بارد مِن طرف الأسمر، كان لايّفوت طابعه، بانه لفاعلٌ مشكلة لاتُغتفر، فإذ بسيهون يُضيق الخناق على عصبيته، و يعيد طرح اسئلته الفوضوية بضحكةٍ عصبية بينما يُحاول إصطناع نبرة طبيعية مرحة، إلا ان جونق إن لم يقدِّر ذلك البتة! بل رمَقه بنظرةٍ فيها امرٌ من الإستحقار لغباءه المسّتفز و قال ببرود وبنبرةٍ زاخرة بالإهمال :

بالطبع إنها غُرفتي، شقيقك غريب الأطوار ذاك لايزال في المنزل، لم اتي بهِ الى شقتي بالطبع

ما إن أختزل كلمته الأخيرة بذات الوتيرة الباردة التي تحدث بها مُسبقًا حتى ادار ظهره لإستكمال ما بدأه هذا الصباح، إلا انه شعر بغتةً بكف سيهون القوية و هي تقبض على كتفه بأقسى طريقة، غارسًا أظافره بغير خجل ببشرة جونق إن العارية الطرية، كان قد بلغ من الغضب أقصاه، شعر بعروقه وهي تنفجر سخطًا، تزيدهُ إنفعالًا و همجيّة كلما تخيل صورة كيونقسو الوحيد في المنزل، فحتى حينما إستدار الاسمر بطواعيّة الى ناحيته لم يرهَف قلبه النظر الى صديق طفولته، بل إستقبله بقبضةٍ إمتلكت القوة و القسوة في آنٍ واحد، كانت مُباغتة و صادمة، بقبضته اليُسرى هو لكم جونق إن، الشخص الذي لم يتذمر يومًا حوله، و الذي لم يتركه مطلقًا حتى مع شناعة أفعاله و طفولتيها، هو رمى بذلك الشخص الثمين ارضًا بلكمته القوية تلك.

كان سيهون قد أغنى نفسه حينها عن الإعتذار او تقديم اي مساعدةٍ صغيرة تُذكر لثغر جونق إن الدامي، بصيرته قد أُغشيت بالكامل عندما تضمّن الأمر كيان شقيقه الوحيد كيونقسو الذي يلبث الان وحيدًا بين جدران منزل التعاسة ذاك ! ، سيهون المُنمق ذو الهالة الجّذابة الرجولية لم يعد متوفرًا منذ ان خطت قدماه العارية لهيب حرارة الشارع في وقت الظهيرة بلا ترددٍ يُذكر، كل ما إستطاع فعله وقتها هو مواصلة الجَّري كالمجنون الهارِب، غير ابهٍ لبوابل نظرات الإستنكار و النفور التي رشقته العامَّة بها، فأي غريب اطوار ذاك الذي يركض على الرصيف حافِ القدمين بملابس نومٍ فضفاضةٍ قصيرة بينما يُبلل العرق أطراف وجهه الشاحب (؟)

لم تكن قد مَّرت سوى ٣٠ دقيقة و هاهو ذا سيهون يقفُ بغير توازن على عتبة منزله أخيرًا، كان قد سَكن لوهلة حتى يلتقِط أنفاسه الضائعة و التي خرجت بقوةٍ مضاعفة جاعلةً من جوفه يضحي جافًا متيبسًا، يزيدهُ شعورًا بالعطش و الحرارة إثر جريِّه المتواصل، و رغم ان قدماه لم تطأ أرضية المنزل بعد، إلا ان ريحًا من الإطمئنان قد لفحت قلبه بلُطف حينما لم يرصِّد إحتشاد الجيران في حديقة المنزل او إضحاءُه مُحترقًا متحولًا لرمادٍ لا يُذكر او يُرى، كان ذلك الضرر هو أقصى حدود أفعال كيونقسو المميتة، فحينما صنع سيهون خطواته للداخل بإرتياب كان قد هرع بعدها مسرعًا الى غرفة شقيقه الاصغر. الذي إستطاع ان يدرُس بعضًا من شخوصه خلال فترة بقائهما معًا، فكيونقسو يعيش حياةً أميَّل الى الأنزواء و الوحدة، يُطالع و يرسم و يتعرف على عوالمٍ أسطورية داخل غرفته المعتمة، إلا أن غرفته هذهِ المرة باتت خاليةً من روحه بهيئةٍ مُثيرة للشك و الظنون..

كيونقسو ؟ اللعنة أين انت، اجبّني !!! بحق الجحيم أين تستطيع الذهاب لركنٍ غير غرفتك ؟؟ كيف ساجِّدك الان دون ان ينزل سخط السماوات علي!

صرخ سيهون بوتيرةٍ حادة مبحّوحة، شعَر بسيطرته على زمام الأمور وهي تنساب و تُفلت من قبضته دون عِلمه، حتى بدات تلك الهواجس السوداوية بنهش أطراف دماغه بعنفٍ تام، تحيله أسيرًا لمخاوفٍ كان يخشاها منذ سنين باتتَ أوصالها حقيقةً تجري من أسفله الان دون إدراكٍ منه، لكنه ما إن ارادَ السقوط على الأرض و بدأ النحيب حتى إستطاع سماع صوت نايِّ كيونقسو وهو ينسج ألحانه المعتادة الحُلوة بلا اي أخطاءٍ تُذكر من ناحية الشرفة المفتوحة.

( كيونقسو يجلس في الشرفة ؟ هل هذا معقول ؟ .. )

فكر سيهون بصمت بينما يفرّك زوايا عينيه الضيقة بغير رحمة، إرادةً بمحي اثار الإعياء و الرطوبة تلك و إلقائها بعيدًا عن وجهه المعتاد الجامد الذي يراه كيونقسو دائمًا، فرُغم كونهما شقيقان يتيمان إلا ان الأيام قد صنعت حاجزًا فولاذيًا منيعًا بين مشاعرهما، لم يبكي أحدهما بحجّر الاخر من قبل، لم يشكيّان من الوحدة من قبل، او ينسُجان ليلةً زاخرة بالاحاديث الوديِّة حول ذكرياتهما الجميلة و كيف سيمضيان في المستقبل لاحقًا، ايًا من هذهِ الأمور الإعتيادية بين الإخوة لم تحدث من قبل بينهما، مما جعله يستصعِّب الظهور بتلك الهيئة المزدرئة أمام كيونقسو.

اه أنت هُنا.. لقد قلقتُ عليك كثيرًا اليوم، إعذرني، لم أكن اعلم بما فعله جونق إن ليلة البارحة، انا قطعًا لن أوافق على شيءٍ كهذا كتركك وحيدًا بالمنزل، أنت لست غاضبًا صحيح ؟ ” ثم أردف بإرتباكٍ جليل” اه، لعل الجو جميلٌ اليوم! هذا ماجعلك تخرج الى الشرفة لأول مرة

لا، بل لأجل ان اتأمَل تلك السماء الجميلة، نحنُ أسفل سماءٍ واحدة أخيرًا.. انا و جونق إن هيونق، هذا يُسعدني و يزيد من حرارة شوقي إليه

كان كيونقسو قد إنتزع الناي من بين ورديتيه برفِق حينما تناهت كلمات سيهون المزعجة الى مسامعه، ثم نطق حديثه هو الاخر بهدوءٍ تام و عاد للعزف كمن يقوم بسِّد مجرى هذا الحوار، ليغدي وجه سيهون مصطبغًا بالحُمرة إثر مايشعر به من خيبةٍ و إحراجٍ شديد، كان قد ركض كالأبله في شوارع العاصمة عار الأقدام، لايزال يستشعرٍ بوخزها الحاد له إثر ماصادفته من نتوءٍ في الرصيف، لكنه سرعانما أزاح تلك الافكار المؤلمة جانبًا و ألقى بظهره على الحائط، مُنزلقًا الى الأسفل بهدوء حتى إستقر جسده على الأرض، مرتجيًا لحظة صمت و راحة من بداية هذا اليوم الشنيع و الذي لم يستفسِّر عنه شقيقه مطلقًا رغم مايبدو عليه من مظهرٍ بائس أثقله الشقاء و التعب

ماخطبك ؟ تارةً يتجعد وجهك تجعيدة بأس و تارةٌ أخرى ترسم إبتسامةً واسعة على محياك ؟ سيهون هيونق، انت تؤرقني بتصرفاتك الغريبة، هل حدث لك شيء ما ؟

تحدث كيونقسو بنبرةٍ إعتراها إنزعاجٌ ملحوظ قد إنمزج بتجانسٍ مع تكشيرته تلك و عبوس شفتيه، إلا ان سيهون المغطى بالعرق و القابع على الأرضية بهيئةٍ مثيرة للشفقة لم يُلقهِ إجابة تذكر، بل كانت انامله تتراقص بحماسٍ شديد على تلك الشاشة المضيئة التي يحملها بين كفيه الجافة بكل حُب !، كان هذا كفيلًا بإثارة غيض كيونقسو الذي أصبح يلقي بتحديقاته القاتلة نحوّه حتى تزحزح الأكبر من جموده اخيرًا و نظر إليه مُبتسمًا إبتسامةٍ واسعة كشفت عن أنياب ناصعةٍ شديدة الجمال :

اه، ساخرج بموعدٍ قريبًا.. معها، لكن لا تقلق، هنالك مربية جيدة ساحدِّثها اليوم كي تعتني بك اثناء غيابي

قال ذلك بحذر بينما يتفحص ملامح شقيقه التي باتتَ باهتةً و مُعتمة لبُرهة، بدى الإعتراض جليًا على تقاسيم وجهه، إذ ان كلاهما كان يُفكر بجونق إن الذي جالسَ كيونقسو ليلة البارحة بلا أي تذمرٍ منه، لقد كانت تلك المرة الأولى التي لا يُلحق بها الأصغر الأذى بمَن يعتني به، و المرة الأولى ايضًا لسيهون الذي لم يدفع تعويضًا للمربِّي حتى يصمُت عمّا صنعَ به كيونقسو الصغير من أذى نفسي او جسدي، مع ذلك، لم يقاطع الأكبر إتصاله بمربية شقيقه السابقة، حتى مع وجود تلك النظرات التي تغلفه بتجهمٍ و سخط كبير

مساءُ الخير انسة إيميليا، كيف حال ألم مفاصلك هذهِ الايام ؟، انني اوّد طلب خدمةٍ صغيره منكِ.. كما إعتدنا من حال

القى سيهون أثناء حديثه المُنمق على الهاتف نظرةً سرية خاطفة على الشخص الذي لايزال واقفًا أمامه بجُموح، ثم اشاح بوجهه عنه مسرعًا، كان كيونقسو ينظر اليه بهدوء و برودٍ مُقلق ، دون ان يحّول بصره الساحق عنه، يراقب اضطرابه ويزيده توترًا مع مُضِّي الثواني، و ما إن كادَ ان ينسج سيهون كلماته الركيكة حتى صرخ كيونقسو بأعلى صوتٍ مُجلجل يمتلكه :

احضر هيونق حالًا !!! انا لا أريد اي مربيةٍ لعينة ! إ-إنها تقوم بخنقي !!! إنها تريدُ قتلي و تنعتني بالمريض النفسي !!!! لا اريد سوى جونق إن !! الان !!!!! .. هو فقط و لا شيء غيره !!!

لم يلبث بعد صراخه حتى جثى على الارض بركبتين ضعيفة بينما إمتدت يديه المرتعِدة لتقبض على مايُزين مقلتيه الواسعة من أهدابٍ كثيفة، كان موشكًا على إقتلاعها واحدةً تلوى الأخرى، لولا إحكام قبضة سيهون السريعة على رُسغه حيث منعه من ذلك الأمر الوحشي بالوقت المناسب، من تلك العادة الفضيعة التي يعتنقها كيونقسو كلما زاوره الغضب و أطيافه من الضيق و الإنزعاج، كان يصل به الحال ايضًا الى إقتلاع جذور شعره، إلا ان سيهون مَنع حصوله بنجاحٍ موّثق للمرة الأولى، حيثُ سارع بإحتضان جسد الاصغر الى صدره محاولًا إحكام السيطرة على جسده المرتعش و على زفيره الذي يخرج بوتيرةٍ صعبة و متقاطعة، شعر بالذنب لوهلة على ماحَدث فـ بادر بالحديث دون ان ينتظر من الاخر ان يسترخي او يهدئ :

ساتصل بجونق إن حسـ..

الان، أ-أمامي إفعلها ! لا تكذب علي و تتركني عالقًا بعد لحظات مع تلك الجَّدة المُرعبة بينما أنت… أنت هيونق تحضى بالحرية و المتعة المطلقة خارج أسوار المنزل !

قاطعه كيونقسو بإنفعالٍ شديد قد رسَم تجاعيدًا عديدة على جبينه بينما أضحت عروق عنقه و بقية أجراء جسده بارزةً و ناتِئة بوضوح، كان ذلك خيرُ دليل على ان أعصابه الهائجة لم تستقر بعد، بل ربما تعاوِّده تلك النوبات مجددًا دون إنذار، بينما هو بإحضان سيهون، الذي إلمتسه الهلع من التفكير بنوبات الأصغر المُرعبة و التي تثير قشعريرةً مقيتة بكامل كيانه دون رحمة !

كان سيهون قد إبتعد عنه عِدة إنشات لكنه مازال يُقيد رسغ كيونقسو النحيل بيده تقييدًا محكمًا، و ما إن قام بإخراج هاتفه المحمول حتى شعر بكبرياءه ينشطر شطرين إثر مايُمليه عليهِ القدر من أمورٍ مُخزية، فلم تكن قد مرت أيامًا كافية تحمل داخلها بلسمًا يُشفى كلاهما من ذلك الموقف العصيب الذي إفتعله سيهون و الذي أختزل نهايةً قاسيةً له، رُغم ان جانبًا من قلبه قد أضحى لينًا و هشًا إتجاه الأسمر إلا انه لم يجد ثغرة خطأه بعد، و لم يعترف بها داخل قُرارة نفسه العظيمة، و لم ينتشله من غمرة الأفكار هذه سوى تحديقات كيونقسو المسمومة و المصوّبة نحوه،

تجبِّره على إجراء الإتصال حالًا و على قربٍ منه

لم يكن يظن بان الإتصال بجونق إن سيكون شديد الوطأة على قلبه، بهذا الشكل الشنيع و المُر.

لم تكن سوى دقائق قصيرة حتى وصَل جونق إن بسيارته الرياضيّة عن طيّبة نفسٍ ليسَت مُرغمة أمام منزل صديق طفولته، فحتى حينما علم بمُغادرة سيهون المبّكرة كتجنبٍ واضح لمقابلته هو لم يُثقل دماغه بهذه الذكرى او يقوم بطيِّها محفوظة، لقد مضى بهدوءٍ غير مُعتاد الى داخل المنزل الذي تُرك مفتاحه العتيق أسفل أصيص زهور البنفسج ذاك.

مساءُ الخير هيونق، لقد كنت متطلعًا الى قدومك!، أنظر لما صنعتُ لاجلك، هذهِ السلة مليئة بجميع ماتفضله أنت، لنذهب بنزهة للخارج، لنرفِّه عن انفسنا معًا !

كان وجه كيونقسو البشوش هو أول ماقابل جونق إن أثناء دخوله الغير مُكتمل، فإذ بكل كلمةٍ ينطقها الأصغر تصبح أشد غلظة و أثقل وطأة على يسار صدره حتى رحابة نبرتها و صدقها، إلا انها لم تكن تطاق ابدًا، رغم وجود هذا الجمال الذي يُبهر الأبصار و لا يكاد أن يُصبر عنه، جمال الوجه الشاحب ذو الوجنتين المكتنزة المعبئة بالنمش على وتيرةٍ دقيقة كما لو أن الملائكة بنفسها من قامت بنثرها عليه، جمال تلك الأعين الطاهرة و أهدابها الملحوظة بكثافتها، جمال شخوص روحه التي صافحها جونق إن مرارًا ليلة البارحة بغض النظر عن لسعها له، كان كيونقسو جميلًا بمعنى الكلمة.

جونق إن هيونق ؟

نطق بتساؤلٍ خافت مغمورٌ بالحيرة حينما تجّاوزه الأكبر بتعابيرٍ جامدة كأنه لم يقبع أمامه مع تلك السلة الخشبية الثقيلة، بل حتى انه لم يُكلف نفسه بما توجبه أبسَط المبادئ و الاداب من طيب إبتسامة، فنظرته ظلت مُظلمة ثابتة لا تكاد أن ترصد كيونقسو في نطاق رؤيتها الضيق الذي إقتصر على تلك الأريكة، حيثُ لبث هناك صامتًا محدقًا بالشاشة المظلمة.

و رُغم ما واجهه كيونقسو من تجاهلٍ زاخرٍ بالقسوة من طرف الأكبر، إلا انه بقي واقفًا ببُقعته و ظّل متفرسًا به بإنتباهٍ شديد كانه يتعرف على ملامحٍ يجهلها، ثم دمدم يقول بسِّره :

( أودُّ لو أتحكم بعقلي كما أتحكم بقلبي، لو كنت أستطيع الإستسلام ولو لعطلةِ أسبوع واحدة، لكانت هذهِ الأُمسية ذات طعم و لذةٌ أخرى، لو كان الامر يسيرًا للبشر حتى يحبُّو، لحكت كلمات أغاني الحُب حكايتنا كما نسجت حكاية حب أفروديت و أدونيس، لو لم أكن مُجبرًا على الخضوع لتلك الرغبة التي تنتابني، لكنتُ حرًا في إطلاق جموح رغبتي الكامنة بإختلائي به بعيدًا، مُمسكًا بكفيهِ الباردة بكفي و مُسرًا إليه بحقيقة صوته الذي يُرهف سمعي و ان كلماته باتت تزلزل سكينة قلبي، و انني اتوقُ للحصول عليه بشتى الطرق المُحرمة، فالحُب هو فقدان السيطرة، هو بوح العُشاق )

بلى، سوف نُقلع و نجازف في حُرمة الحب، ضِمن بشروطي الخاصة.

كان يوّد ان يستدرك حقيقة الامر، أن حُبه لافروديت الذي يزوره في أحلامه و جونق إن الواقعِّي أمران لايجوز الخوض في نقاشهما، بالرغم من انه تعلم أن شغف الطفولة الذي يعيشه الان لا ينتمي سوى لسبيل المستحيل، إلا انه كان مقرًا بحُبه المخلص لذلك القابع على الأريكة بتوتر، الهيونق خاصته جونق إن.

كيونقسو مالذي تحاول فعِّله بحق الإله ؟ إبتعد عني، إن أردَت أن تمضي هذه الليلة بسلامٍ و هدوء على غِرار السابقة لا تقترب !

إنبلج صوت جونق إن منفعلًا جهورًا، بهيمنةٍ بلغت أقصاها، هو قال ذلك حينما إلتمس وجود كيان كيونقسو جانبه، أنفاسه كانت تداعب أذنه كما في المرةِ السابقة، إلا انه لم يُلفت إحكامه لجموده و رباطة جأشه، فحتى هيئة ملامحه لم تتغير، كان إصراره على محِّي صورته الضعيفة الهشّة جليًا، رغم أن ملامح الخوف و الهلع مُحببة لنفس كيونقسو إلا ان الأعجاب إستبَّد به نحو مايرسمه جونق إن من تكشيراتٍ ضيقة الخناق..

هيونق، لا تتألم

مالذي تعنيـ..

ما إن نطق بذلك حتى شعر بجسمٍ ناعم قارص البُرودة يحتّك بوجنته، تحديدًا بتلك البُقعة ذات الألوان الداكنة المتضاربة و التي لم تقم بتلويِّنها سوى قبضة سيهون تلك، كان يشعر بسيلٍ من الوخز ينخر عظام وجهه، رغم تخلخلهِ لشيءٍ من الراحة بسبب برودته إلا انه كان مؤلمًا للدرجة التي إستنصَر بها الألم بمعركته مع كبرياء جونق إن، و من ثمَّ عبث بحباله الصوتيِّة عبثًا جليلًا، جاعلًا منه يتأوه بصوتٍ منخفض مُهين إثر مايوجسّ من وخز

لاتتحرك، هل هذا مؤلم الى هذهِ الدرجة هيونق ؟ أخبرني من صَنع بك هذه الكدمة المؤلمة ؟

إنه سيهون، شقيقك الأكبر.. اه !! كيونقسو لقد ألمتني !

تذمر جونق إن بصوتٍ مُتقطع بسبب شدة وطأة يد كيونقسو على تلك الكمادة مما جعلها تضغط بقسوة على نسيج بشرته الحسّاس، لقد إستشَّف غضب الأصغر المفاجئ، فحتى أنفاسه خرجت على وتيرةٍ غريبة و عالية، كعادةٍ إلزامية أثناء سَخطه،

إلا انه سرعانما أحنى راسه بإحترام و إعتذر بصوتٍ رقيق خافت بالقرب من مسامع جونق إن، حيثُ نجح بإلتماس شيءٍ من رضا الأكبر و عفوِّه..

كيونقسو لم يقُم بلوّم نفسه على تلك المعاملة الطيِّبة الممزوجة بالإحترام و الوِّد إتجاه الأكبر، فـ إن به سرٌ من أسرار الفتنة تجّره و تحثه على كسِّب هذا الأسمر، آية جمال الى درجة الهوى، عيناه شاحبتان مُلاطفتين كل الملاطفة رغم عبوس ملامحه الثابت، تجاعيد إبتسامته المميزة تلوّح خلفها روحٌ طفوليه رغم مايزخر به هذا الجسد العريض من رجولة، لقد ارادَ كيونقسو لمس ذلك، تقبيل ذلك، كما يفعل العشاق سِّرًا.

هيونق، هل نستطيع الان ان نخرج بنزهة ؟

قهقه جونق إن لثوانٍ قصيرة حيث عزفَ مقطوعة موسيقية أزهَّرت مسامع كيونقسو المتلهفة ثم نطق بلهجةٍ ودِّية مختلفة :

هل كانت تلِك رشوةٌ من نوعٍ ما كيونقسو ؟

بل يُمكنك القول انني أردت الخوض باحاديثٍ معك، لقد إفتقدتك هيونق، و بلغ الضيق بي ذلك الحد المتزلزل إذ انني لم اخرجك من أفكاري البتة، كنت أنتظرك ! “

هل تعرف لما يُعد الطَّاووس رمز الالهة هيرا ؟، لقد كان العملاق ذو المئة عين يتبّعها بإرادة سوء و من ثمَّ …

توقفَ فجأة . .

سأخبرك ببقية الحكاية حينما نعود من نزهتنا، كيونقسو

كان الإثنان قد إقتحما السوبر ماركت من غير تخطيط، فحينما رأى جونق إن لهفة كيونقسو لشِراء بعض الحلوى حينما حدَّثه الأكبر عن قصته برفقة التدخين، لم يستطع ان يرفضه مجددًا، إذ ان الذنب ينهشه بغير قصَد بسبب فعلته الماضية الزاخرة بالقسوة، هو أقر سريعًا بتقلبِّ مشاعره و أحاسيسه نحو الفتى كيونقسو، رُغم انه لم يستطع ان يطوي صفحة تلك الليلة المُعتمة إلا انه إلتمس أوصال الندم من كلمات الأصغر الودِّية اللطيفة، لابأس بفرصةٍ أخرى..

أمسى جونق إن واقفًا ببُقعته محدقًا الى الأصغر بتدقيق، كان مايرتديه خاليًا من روح الشباب المُبهرجة، ملابس سوداء حالكة السّواد تطابق مايرتديه العجائز اليائسات هذهِ الأيام، ذلك الإنطباع الأول هو ما سيَّخطر للآخرين، إلا ان إنطباع جونق إن الأوليِّ لكيونقسو كان طفلًا طاهرًا يستطيع جعل الحياة ناعمة وادعة يرفرف عليها الهدوء و السلام، سهل الصُحبة و مستمتعٌ جيّد و متفاهم.

لكنه ما إن ارادَ التحرك و تجّاوز تلك الأحشاد التي تكاثفَت و صنعت حاجزًا بشريًا بينه وبين الأصغر، إستشعر و بشكلٍ مُفاجئ وجودَ هيئة ضخمة و قوية تلتحِّم بظهره و تفوقهُ طولًا، إنتاب جونق إن شعورٌ قارِص بالهلع إثر مايحدث، إذ ان هذا الجسد الساكن كان يّحاول جعلهما ينزويّان بعيدًا عن الأنظار، بغير مُقاومة هو إنقادَ من قبله، كانت ظنونه تنحصِّر على فئة ’المتحرشين جنسيًا’

لكن ما إن تناهى ذلك الصوت الأجّش إليه، حتى شعر بمساميرٍ من الرعب تنغرس و تنخر قلبه بلا رحمة :

لقد أتيتَ في الوقت المناسب، سأسدلُ المخدرات في جيب معطفك، و ساذهب لإستلام ذلك الطفل الذي كان برفقتك قبل قليل كما إتفقنا سابقًا، هل فهمت ؟

 

6 أفكار على ”حُمى الإضطراب | الفصل الثاني

  1. مرحبا
    اشوف ان اصرف جونغ مبالغ فيه بنهاية هو طقل وضربتها له من قرب من سيهون مالها مبرر .
    وسيهون مافز وطلع من البيت الا انه عارف جنون اخوه .
    وصراحه ودي اتعرف عن شخصية كيونغ اكثر احسها شخصيه مريبه .
    ونهاية البارت ماني متاكده من فهمي له الا اني متاكده ان جونغ جاب العيد .
    واصلي ياجميلة وبنتظار البارت الثالث

    إعجاب

  2. لاااااا النهايه مره مو وقتها تقهر
    ليش ايش حيسير لكيونغ و ايش مخدرات و ايش يسلم الطفل 🙆🙆
    يعني جونغان قال لعصابه تخطفه ! مفهمت 😿
    البارت مره كان حلو و احسه قصير بس هو طويل بس يعني عجبني عشان كذا حسيته قصير☻😂
    استغربت ان جونغان قبل يروح لبيت سيهون بعد م ضربه و كدا اكيد فيه شي ناقص
    المهم انو من زمان م تحمست قد كذا انتظر البارت الجاي بفارغ الصبر 💁💞💞💞

    إعجاب

  3. واضح الدعوه من تخطيط كيونغ 😕!؟ ولا ؟ احسه بيختبر جونغ ان
    كيونغ يحب جونغ ان بس حبه يخوف
    جونغ ان عنده انجذاب وبنفس الوقت نفور يمكن خوف ناخذ بالاعتبار شخصية كيونغ
    اتمنى توضح شخصية كيونغ اكثر واكثر واضح عنده كم مرض نفسي مو واحد شلون بيتعالج مدري الا اذا بتخلونه كذا طول الوقت بما انو شخصية كاي متزنه يقدر يتعامل معه بس بالنهايه صعبه يتعامل مع شخص مريض طول الحياه

    إعجاب

  4. شخصية كيونغسو غريبة وغامضة يخوف وهو مريض نفسي صح ؟!! 🤔

    وخوف سيهون انه تركه بالبيت لوحده ، ركضه من الشارع حافي ومو مهتم الا انه يوصله ، حسيت بقشعريرة يوم كيونغ عصب وكان يفقع عيونه كل هذا عشان انه بيجيب له مريبة خوفتتي شخصيته الصراحة 😱

    واضح لهم ماضي حزين وكيف كيونغ صار كذا .

    جونغ يحاول يتجنبه لانه خايف منه وهو يحب جونغ الحيوان مانسيت دفته له بقوة ع الجدار .

    نهاية البارت غير متوقعة معقوله جونغ ان متفق معهم عشان يبادل كيونغ بالمخدارت يعني هو يتعاطى ولا كيف ؟؟!!

    اتوقع انهم غلطانين فيه او سيهون له علاقة
    المهم مااعتقد جونغ يسويها ويبادله .

    البارت حماااااس ويجننن سردك اكثر لا تتأخري انتظر الجاي .😭🌸

    إعجاب

  5. جمييل 😦 ، كيف تجذبني رواية لهذي الدرجة ؟ كيف كُلها متكاملة و رائعة و بلا بلا ، لا قدرة لي على التعبير بحق 😩💔 جد ماشاء الله يعني ، و انضمت حمى الأضطراب لأفضل ما قرأت .

    إعجاب

أضف تعليق